فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: هي لترتيب النهي على ما سبق من الأمر بالطاعة.
{وتدعوا إلى السلم}: عطف على تهنوا داخل في حيز النهي.
وجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن فيعطف المصدر المسبوك على مصدر متصيد مما قبله.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: قال الفخر الرازي: قوله تعالى: {وأطيعوا الرسول} العطف ها هنا من باب عطف المسبب على السبب يقال اجلس واسترح وقم وامش. لأن طاعة الله تحمل على طاعة الرسول.
وقال الألوسي: وإعادة الفعل في قوله: {وأطيعوا الرسول} للاهتمام بشأن إطاعته عليه الصلاة والسلام.
اللطيفة الثانية: قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} الآية.
قال الفخر الرازي: يحتمل وجوها:
أحدها: دوموا على ما أنتم عليه ولا تشركوا فتبطل أعمالكم قال تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65].
الوجه الثاني: لا تبطلوا أعمالكم بترك طاعة الرسول كما أبطل أهل الكتاب أعمالهم بتكذيب الرسول وعصيانه ويؤيده قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2].
الثالث: لا بتطلوا أعمالكم بالمن والأذى كما قال تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم} [الحجرات: 17].
وقد اختلف فيما يبطل الأعمال على أقوال:
قال الحسن: المعاصي والكبائر.
وقال عطاء: الشك والنفاق ونقل عن ابن عباس.
وقال ابن عباس: الرياء والسمعة ونقل عن ابن جريج.
وقال مقاتل: المن.
وقيل: العجب فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
وقيل المراد بالأعمال الصدقات أن تعطلوها بالمن والأذى.
قال القرطبي: وكله متقارب وقول الحسن يجمعه.
اللطيفة الثالثة: قوله تعالى: {وأنتم الأعلون}: استعمال العلوفي رفعة المنزلة مجاز مشهور. أي أنتم أعز منهم لأنكم مؤمنون والحجة لكم. وإن غلبوكم في بعض الأوقات وذلك كقوله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} [المنافقون: 8].
وقيل {وأنتم الأعلون}: أي أنتم أعلم بالله منهم.
وقال الجصاص: أي وأنتم أعلم بالله منهم.
وقال الجصاص: أي وأنتم أولى بالله منهم.
وكلها متقاربة فالإيمان يرفع منزلة أهله ويعزهم.
اللطيفة الرابعة: قال الفخر الرازي: قوله: {ولن يتركم أعمالكم} وعد لأن الله تعالى لما قال: {والله معكم} كان فيه أن النصر بالله لا بكم. فكأن القائل يقول: لم يصدر مني عمل له اعتبار. فلا استحق تعظيما. فقال: هو ينصركم ومع ذلك لا ينقص من أعمالكم شيئا. ويجعل كأن النصرة جعلت بكم. ومنكم. فكأنكم مستقلون في ذلك. ويعطيكم أجر المستبد.
اللطيفة الخامسة: في الآية الكريمة دعوة إلى العزة والكرامة. وتشجيع للمؤمنين للجهاد والنصال. لمجابهة أعدائهم دون وهن أوخور. لأن المؤمن لا يرضى بحياة الذلك والهوان. وقد أحسن من قال:
عش عزيزا أو مت وأنت كريم ** بين طعن القنا وخفق البنود

.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} يدل على أن كل من دخل في قربة. لم يجز له الخروج منها قبل إتمامها.

واختلف العلماء في هذا الحكم على مذهبين.
فذهب (الشافعي وأحمد) إلى أن للمرء أن يترك النافلة إذا شرع فيها ولا شيء عليه ما عدا الحج فيجب عليه الإتمام. وأما في الصلاة والصوم فيستحب له الإتمام ولا يجب.
وذهب (أبو حنيفة ومالك) إلى أنه ليس له ذلك. فإذا أبطله وجب عليه القضاء.
أدلة المذهب الأول:
قالوا: هو تطوع. والمتطوع أمير نفسه. وإلزامه إياه مخرج عن وصف التطوع قال تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} [التوبة: 91].
وقالوا في جواب الاستدلال بالآية: المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض. فنهي الرجل عن إحباط ثوابه. فأما ما كان نفلا فلا. لأنه ليس واجبا عليه.
واللفظ في الآية وإن كان عاما. فالعام يجوز تخصيصه. ووجه تخصيصه أن النفل تطوع والتطوع يقتضي تخييرا.
أدلة المذهب الثاني:
قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} أفاد أن التحلل من التطوع بعد التلبس به لا يجوز لأن فيه إبطال العلم وقد نهى الله عنه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنا وحفصة صائمين فأهدي لنا طعام. فأكلنا منه فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت حفصة وبدرتني. وكانت بنت أبيها: يا رسول الله. إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه فقال: «اقضيا مكانه يوما».
وقالوا في جواب دليل المذهب الأول: المتطوع أمير نفسه. ولا سبيل عليه قبل أن يشرع أما إذا شرع فقد ألزم نفسه. وعقد عزمه على الفعل. فوجب أن يؤدي ما التزم وأن يوفي بما عقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1].
ثم اللفظ عام في الآية يشمل التطوع وغيره.

.الحكم الثاني: قوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم}.

فيه دلالة على أنه لا يجوز طلب الصلح من المشركين. فأما إذا كان في الكفار قوة وكثرة بالنسبة إلى جمع المسلمين. ورأى الإمام المسلم في المهادنة. والمعاهدة مصلحة. فله أن يفعل ذلك. كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صده كفار قريش عن مكة ودعوة إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين فأجابهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.
فائدة:
دل قوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون} الآية على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل مكة صلحا. وإنما فتحها عنوة. لأن الله تعالى قد نهاه عن الصلح في هذه الآية. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَيَقول الَّذِينَ آمنوا لولا نُزِّلَتْ سُورَةٌ}.
سأل المؤمنون ربهم عزّ وجلّ أن ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم سورة يأمرهم فيها بقتال الكفار حرصًا منهم على الجهاد. ونيل ما أعدّ الله للمجاهدين من جزيل الثواب. فحكى الله عنهم ذلك بقوله: {وَيَقول الذين ءآمنوا لولا نُزّلَتْ سُورَةٌ} أي: هلاّ نزلت {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} أي: غير منسوخة {وَذُكِرَ فِيهَا القتال} أي: فرض الجهاد.
قال قتادة: كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة. وهي أشدّ القرآن على المنافقين. وفي قراءة ابن مسعود {فإذا أنزلت سورة محدثة} أي: محدثة النزول. قرأ الجمهور {فإذا أنزلت} و{ذكر} على بناء الفعلين للمفعول. وقرأ زيد بن عليّ. وابن عمير: {نزلت} و{ذكر} على بناء الفعلين للفاعل. ونصب القتال {رَأَيْتَ الذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} أي: شك. وهم المنافقون {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} أي: ينظرون إليك نظر من شخص بصره عند الموت لجبنهم عن القتال. وميلهم إلى الكفار.
قال ابن قتيبة. والزجاج: يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم. وينظرون إليك نظرًا شديدًا. كما ينظر الشاخص بصره عند الوت {فأولى لَهُمْ} قال الجوهري: وقولهم {أولى} لك: تهديد ووعيد. وكذا قال مقاتل. والكلبي. وقتادة.
قال الأصمعي: معنى قولهم في التهديد: أولى لك. أي: وليك. وقاربك ما تكره. وأنشد قول الشاعر:
فعادى بين هاديتين منها ** وأولى أن يزيد على الثلاث

أي: قارب أن يزيد.
قال ثعلب: ولم يقل في أولى أحسن مما قاله الأصمعي.
وقال المبرد: يقال لمن همّ بالغضب ثم أفلت: أولى لك. أي: قاربت الغضب.
وقال الجرجاني: هو مأخوذ من الويل. أي: فويل لهم. وكذا قال في الكشاف. قال قتادة أيضًا: كأنه قال العقاب أولى لهم. وقوله: {طَاعَةٌ وَقول مَّعْرُوفٌ} كلام مستأنف. أي: أمرهم طاعة. أوطاعة وقول معروف خير لكم.
قال الخليل. وسيبويه: إن التقدير: طاعة وقول معروف أحسن. وأمثل لكم من غيرهما.
وقيل: إن طاعة خبر أولى. وقيل: إن {طاعة} صفة لـ: {سورة}. وقيل: إن {لهم} خبر مقدّم. و{طاعة} مبتدأ مؤخر. والأول أولى {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} عزم الأمر: جدّ الأمر. أي: جدّ القتال ووجب وفرض. وأسند العزم إلى الأمر. وهو لأصحابه مجازًا. وجواب (إذا) قيل: هو: {فلو صدقوا الله} في إظهار الإيمان والطاعة {لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} من المعصية والمخالفة {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوليْتُم أَن تُفْسِدُواْ في الأرض وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} هذا خطاب للذين في قلوبهم مرض بطريق الالتفات لمزيد التوبيخ والتقريع.
قال الكلبي: أي: فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم.
وقال كعب: {أَن تُفْسِدُواْ في الأرض} أي: بقتل بعضكم بعضًا. وقال قتادة: إن توليتم عن طاعة كتاب الله عزّ وجلّ أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء. وتقطعوا أرحامكم.
وقال ابن جريج: إن توليتم عن الطاعة. وقيل: أعرضتم عن القتال. وفارقتم أحكامه.
قرأ الجمهور {تو ليتم} مبنيًا للفاعل. وقرأ عليّ بن أبي طالب بضم التاء والواو وكسر اللام مبنيًا للمفعول. وبها قرأ ابن أبي إسحاق. وورش عن يعقوب. ومعناها: فهل عسيتم إن ولي عليكم ولاة جائرين أن تخرجوا عليهم في الفتنة. وتحاربوهم وتقطعوا أرحامكم بالبغي. والظلم. والقتل.
وقرأ الجمهور {وتقطعوا} بالتشديد على التكثير. وقرأ أبو عمرو في رواية عنه. وسلام. وعيسى. ويعقوب بالتخفيف من القطع. يقال: عسيت أن أفعل كذا. وعسيت بالفتح والكسر لغتان. ذكره الجوهري وغيره. وخبر {عسيتم} هو {أَن تُفْسِدُواْ}. والجملة الشرطية بينهما اعتراض.
والإشارة بقوله: {أولئك} إلى المخاطبين بما تقدّم وهو مبتدأ. وخبره: {الذين لَعَنَهُمُ الله} أي: أبعدهم من رحمته. وطردهم عنها {فَأَصَمَّهُمْ} عن استماع الحق {وأعمى أبصارهم} عن مشاهدة ما يستدلون به على التوحيد والبعث. وحقية سائر ما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. والاستفهام في قوله: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} للأنكار؛ والمعنى: أفلا يتفهمونه. فيعلمون بما اشتمل عليه من المواعظ الزاجرة. والحجج الظاهرة. والبراهين القاطعة التي تكفي من له فهم وعقل. وتزجره عن الكفر بالله. والإشراك به. والعمل بمعاصيه {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} أم هي المنقطعة. أي: بل أعلى قلوب أقفالها فهم لا يفهمون ولا يعقلون قال مقاتل: يعني الطبع على القلوب والأقفال استعارة لأنغلاق القلب عن معرفة الحق. وإضافة الأقفال إلى القلوب؛ للتنبيه على أن المراد بها: ما هو للقلوب بمنزلة الأقفال للأبواب. ومعنى الآية: أنه لا يدخل في قلوبهم الإيمان. ولا يخرج منها الكفر والشرك. لأن الله سبحانه قد طبع عليها. والمراد بهذه القلوب: قلوب هؤلاء المخاطبين.
قرأ الجمهور: {أقفالها} بالجمع. وقرىء {إقفالها} بكسر الهمزة على أنه مصدر كالإقبال.
{إِنَّ الذين ارتدوا على أدبارهم} أي: رجعوا كفارًا كما كانوا.
قال قتادة: هم كفار أهل الكتاب كفروا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفوا نعته عندهم. وبه قال ابن جرير.
وقال الضحاك. والسديّ: هم المنافقون قعدوا عن القتال. وهذا أولى؛ لأن السياق في المنافقين: {مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} بما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعجزات الظاهرة. والدلائل الواضحة {الشيطان سول لَهُمْ} أي: زيّن لهم خطاياهم. وسهل لهم الوقوع فيها. وهذه الجملة خبر (إن). ومعنى {وأملى لَهُمْ}: أن الشيطان مدّ لهم في الأمل. ووعدهم طو ل العمر. وقيل: إن الذي أملى لهم هو الله عزّ وجلّ على معنى: أنه لم يعاجلهم بالعقوبة.
قرأ الجمهور {أملى} مبنيًا للفاعل. وقرأ أبو عمرو. وابن أبي إسحاق. وعيسى بن عمر. وأبو جعفر. وشيبة على البناء للمفعول.
قيل: وعلى هذه القراءة يكون الفاعل هو الله. أو الشيطان كالقراءة الأولى. وقد اختار القول بأن الفاعل الله الفرّاء. والمفضل. والأولى اختيار أنه الشيطان لتقدّم ذكره قريبًا.
والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم من ارتدادهم. وهو مبتدأ. وخبره {بِأَنَّهُمْ قالواْ لِلَّذِينَ كَرِهواْ مَا نَزَّلَ الله} أي: بسبب أن هؤلاء المنافقين الذين ارتدّوا على أدبارهم قالوا للذين كرهوا: ما نزل الله. وهم المشركون {سَنُطِيعُكُمْ في بَعْضِ الأمر} وهذا البعض هو عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومخالفة ما جاء به.
وقيل: المعنى: إن المنافقين قالوا لليهود: سنطيعكم في بعض الأمر. وقيل: إن القائلين اليهود. والذين كرهوا ما أنزل الله من المنافقين. وقيل: إن الإشارة بقوله: {ذلك} إلى الإملاء. وقيل: إلى التسويل. والأول أولى.
ويؤيد كون القائلين: المنافقين. والكارهين: اليهود قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقولونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ولا نُطِيعُ فيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} [الحشر: 11] ولما كان قولهم المذكور للذين كرهوا ما أنزل الله بطريقة السرّ بينهم.
قال الله سبحانه: {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} قرأ الجمهور بفتح الهمزة جمع سرّ. واختار هذه القراءة أبو عبيد. وأبو حاتم.
وقرأ الكوفيون. وحمزة. والكسائي. وحفص عن عاصم. وابن وثاب. والأعمش بكسر الهمزة على المصدر. أي: إخفاءهم.
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة} الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها. و{كيف} في محل رفع على أنها خبر مقدّم. والتقدير: فكيف علمه بأسرارهم إذا توفتهم الملائكة. أو في محل نصب بفعل محذوف. أي: فكيف يصنعون؟ أو خبر لكان مقدّرة. أي: فكيف يكونون.